الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **
إن قومًا من بني إسرائيل عابوا موسى لكونه يغتسل مؤتزرًا فقالوا إنه آدر. والآدر: العظيم الخصيتين. حدثنا عبد الأول بن عيسى قال: أخبرنا الداودي قال: أخبرنا ابن أعين السرخسي قال: حدثنا الفربري حدثنا البخاري قال: حدثنا إسحاق بن نصر قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض وكان موسى يغتسل وحده فقالوا: واللّه ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر. فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه فجمع موسى في أثره يقول: ثوبي يا حجر ثوبي يا حجر حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى عليه السلام وقالوا: والله ما بموسى من بأس وأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربًا ". قال أبوهريرة: واللّه إنه لندب بالحجر ستة أو سبعة ضربًا بالحجر. أخرجاه في الصحيحين. فإن قيل: كيف خرج موسى عريانًا حتى رآه الناس. فيحتمل وجهين أحدهما: انه خرج وليس هناك أحد فرأوه. والثاني: انه كان عليه مئزر والإزرة تبين تحت الثوب المبتل بالماء. إن أول ملك من ملوك اليمن ملك كان لهم في زمان موسى من حمير يقال له: شميربن الأهلوك. وهو الذي بنى مدينة ظفار باليمن وأخرج من كان بها من العماليق وإن هذا الملك الحميري كان من عمال ملوك الفرس يومئذ على اليمن ونواحيها. ومن الحوادث في زمانه احتراق ابني هارون قال وهب بن منبه:. كان يسرج في بيت المقدس ألف قنديل وكان يخرج زيتًا من طور سيناء مثل عنق البعيرحتى يصب في القنديل ولا يمس بالأيدي وكانت تنحدر نار من السماء بيضاء فيسرج بها وكان يلي السراج ابنا هارون. فأوحى اللّه تعالى إليهما: أن لا تسرجا بنار الدنيا فابطأت النار عنهما عشية فعمدا إلى نار من نار الدنيا فأسرجا بها فانحدرت النار فأحرقتهما. فخرج الصريخ إلى موسى فخرج إلى الموضع الذي كان يناجي فيه ربه فقال: أي رب ابنا هارون أخي قد علمت منزلتهما مني فانحدرت النار فاحرقتهما وناداه: يا موسى هكذا أفعل بأوليائي إذا عصوني فكيف أفعل بأعدائي. ومن الحوادث موت هارون في زمان موسى عليهما السلام روى السدي عن أشياخه: إن اللهّ تعالى أوحى إلى موسى: إني متوف هارون فأتى به جبل كذا كذا فانطلق موسى وهارون نحو الجبل فإذا هما فيه بشجرة لم ير شجر مثلها وإذا هما ببيت مبني وإذا هما فيه بسرير عليه فرش وإذا فيه ريحٌ طيبة. فلما نظر هارون إلى ذلك الجبل والبيت وما فيه أعجبه فقال: يا موسى إني لأحب أن أنام على هذا السرير فقال له موسى: فنم عليه قال إني أخاف أن يأتي رب هذا البيت فيغضب عليّ فقال له موسى: لا ترهب أنا أكفيك رب هذا البيت فنم فقال: يا موسى نم معي. فناما فأخذ هارون الموت فلما قُبِض رفع ذلك البيت وذهبت تلك الشجرة ورفع السرير به إلى السماء فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل وليس معه هارون قالوا: إن موسى قتل هارون وحسده على حب بني إسرائيل له وكان هارون أكف عنهم وألين لهم من موسى وكان في بعض الغلظ عليهم. فلما بلغه ذلك قال لهم: ويحكم أترونني أقتل أخي فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين ثم دعا اللهّ فنزل بالسرير حتى نظروا إليه من السماء والأرض فصدقوه. وقال عمرو بن ميمون: مات موسى وهارون في التيه مات هارون قبل موسى وكانا أخرجا في التيه إلى بعض الكهوف فمات فدفنه موسى وانصرف إلى بني إسرائيل فقالوا: ما فعل هارون. قال: مات قالوا: لكنك قتلته لحبنا إياه. فشكى موسى ما لقي من بني إسرائيل فأوحى اللهّ إليه: أن انطلق بهم إلى موضع قبره فإني باعثه حتى يخبرهم أنه مات موتًا. فانطلق بهم إلى قبر هارون فنادى: يا هارون فخرج من قبره ينفض رأسه فقال: أنا قتلتك قال: لا والله ولكني مت قال: فعد إلى مضجعك. قال الحسن: مات هارون وهو ابن مائة وثماني عشرة سنة قبل موسى بثلاث وفي التوراة: ان هارون مات وهو ابن عشرين ومائة سنة وكانت وفاته في التيه. ومن الآحداث وفاة موسى عليه السلام قال السدي عن أشياخه: بينما موسى يمشي ويوشع فتاه إذ أقبلت ريح سوداء فلما نظر إليها يوشع ظن أنها الساعة فالتزم موسى وقال: يا قوم الساعة وأنا ملتزم موسى نبي اللّه فاستل موسى من تحت القميص وترك القميص في يدي يوشع فلما جاء يوشع بالقميص أخذته بنو إسرائيل وقالوا: قتلت نبي اللّه قال: لا والله ما قتلته ولكنه استًل مني فلم يصدقوه وأرادوا قتله. قال: فإذا لم تصدقوني فأخروني ثلاثة أيام. فدعا الله فأتى كل رجل ممن كان يحرسه في المنام فأخبر أن يوشع لم يقتل موسى وأنا قد رفعناه إلينا فتركوه ولم يبق ممن أبى أن يدخل قرية وزعم ابن إسحاق: أن موسى كان قد كره الموت وأعظمه فأراد اللّه أن يحبب إليه الموت ويكره إليه الحياة فنبي يوشع وكان يغدو عليه ويروح فيقول له موسى: يا نبي الله ما أحدث الله إليك. فيقول له يوشع: يا نبي اللهّ ألم أصحبك كذا وكذا سنة فهل كنت أسألك عن شيء مما أحدث اللهّ إليك حتى تكون أنت الذي تبتدئء به وتذكره فلا يذكر له شيئًا. فلما رأى ذلك موسى كره الحياة وأحب الموت. وكذلك قال محمد بن كعب القرظي: كان تحويل النبوة إلى يوشع بن نون قبل موت موسى وكان يختلف يوشِع إلى موسى غدوة وعشية فيقول له موسى: يا نبي اللّه هل أحدث إلله إليك اليوم شيئاَ. فيقول له يوشع: يا صفي اللّه صحبتك من كذا وكذا سنة فهل سألتك عن شيء يحدثه اللّه إليك حتى تكون أنت الذي تبتدئه لي. فلما رأى موسى الجماعة عند يوشع أحب الموت. قال أبو الحسين بن المنادي: هذه العبارة توهم بعض الأغبياء أن موسى غاظه ما رأى فأحب الموت إذ ضاق ذرعًا بالذي أبصر من منزلة يوشعِ حين علت. وليس كذلك إنما أحب موسى الموت لما رأى له خلفًا في أمته كافيًا يقوم مقامه فيهم فاستطاب حينئذ الموت لما وصفنا لا غير. وأما إستجابة يوشع وامتناع يوشع من إفشائه ما يكون من اللّه إليه فلم يك من باب التعزز من يوشع ولا من حبه الاقتصار من موسى إليه بل هو من استخبار موسى يوشع هل بلغ حد الأمناء الذين يكتمون ما يجب كتمه عن أقرب الناس إليهم وأعزهم عليهم فلما ألفى يوشع بالغًا هذه المرتبة لم يشك في نهوضه بالوحي واستمكانه من الحال التي أهل لها فهذا الذي صار موسى إلى السؤال. ويدل على هذا ما روي عن الحسن أنه قال: لما ودع موسى أهله وولده أرسل إلى يوشع فاستخلفه على الناس قال: وكان موسى إنما يستظل في عريش ويأكل ويشرب في نقير من حجر تواضعًا للّه عز وجل حين أكرمه بكلامه. قال وهب: ذكر لي أنه كان من أمر وفاته انه أخرج يومًا من عريشه ذلك لبعض حاجته فمر برهط من الملائكة يحفرون قبرًا فعرفهم فأقبل إليهم حتى وقف عليهم فإذا هم يحفرون قبرًا لم ير شيئًا أحسن منه ولم ير مثل ما فيه من الخضرة والنضرة والبهجة فقال لهم: يا ملائكة اللّه لم تحفرون هذا القبر. قالوا: نحفره واللّه لعبد كريم على اللّه قال: إن هذا العبد من اللّه لبمنزلة ما رأيت كاليوم مضجعًا قالت الملائكة: يا صفي اللّه أتحب أن يكون لك. قال: وددت قالوا: فانزل فاضطجع فيه وتوجه إلى ربك ثم تنفس فنزل فاضطجع فيه وتوجه إلى ربه ثم تنفس فقبض اللهّ روحه ثم سوَّت عليه الملائكة. قال مؤلف الكتاب: وفي هذا بعد فإن الحديث الصحيح يدل على غير هذا. أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: حدثنا عبد اللهّ بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن همام منبه قال: حدثنا أبوهريرة قال: قال رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم: " جاء ملك الموت إلى موسى فقال له: أجب ربك قال: فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها فرجع الملك إلى اللّه عز وجل وقال: إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت وقد فقأ عيني قال: فرد اللّه إليه عينه وقال ارجع إلى عبدي فقل له: إن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما تواريت بيدك من شعرة فإنك تعيش بها سنة. فعاد إليه فأخبره فقال: ثم مه قال: ثم تموت قال: فالآن من قريب. قال: يا رب أدنني من الأرض المقدسة رمية حجر ". قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " واللّه لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر ". قال أبو عمران الجوني: لما مثل موسى عليه السلام جعل يبكي ويقول: لست أجزع للموت ولكني أجزع أن ييبس لساني عن ذكر الله عند الموت. قال: وكان لموسى ثلاث بنات فدعاهن فقال: يا بناتي إن بني إسرائيل سيعرضون عليكن الدنيا بعدي فلا تقبلن منها شيئًا تلقطن هذا قال علماء السير: توفي موسى بعد هارون بثلاث سنين وأوصى إلى يوشع وتوفي بباب لد. قال أبو جعفر الطبري: كان جميع مدة عمر موسى عليه السلام مائة وعشرين سنة عشرون منها في ملك أفريدون ومائة منها في ملك مِنُو شِهْر وكان ابتداء أمره منذ بعثه اللّه نبيًا إلى أن قبضه الله في ملك مِنُوشِهْر. واختلفوا: هل مات بأرض الشام أم لا على قولين: أحدهما أنه توفي بأرض التيه وقد روينا عن ابن عباس انه قال: ماتوا كلهم في التيه وموسى وهارون ولم يدخل بيت المقدس إلا يوشع وكالب بن يوفنا والحديث الذي قدمناه يدل على هذا. والقول الآخر: لما مضت الأربعون خرج موسى ببني إسرائيل من التيه وقال لهم: ادخلوا القرية فكلوا منها حيث شئتم. قاله الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد. وقال ابن جرير: وهذا هو الصحيح وإن موسى هو الذي فتح قرية الجبارين مع الصالحين من بني إسرائيل لأن أهل السير أجمعوا أن موسى هو قاتل عوج وكان عوج ملكهم وكان بلعام فيمن اسباه سباه موسى وقتله. قال أبو الحسين بن المنادي: وقد قيل: إن اليهود لا تدري أين قبر موسى وهارون ولوعلموا لاتخذوهما إلهين من دون اللّه. وهو يوشع بن نون بن افراييم بن يوسف بن يعقوب. وقد ذكرأن اللّه تعالى جعل يوشع نبيًا في زمن موسى فلما توفي موسى ابتعثه اللّه تعالى فأقام لبني إسرائيل أحكام التوراة وهو الذي قسم الشام بين بني إسرائيل وهو الذي أخرج الله له نهر الأردن وأمره الله تعالى بالمسير إلى أريحا لحرب من فيها من الجبارين وهي التي امتنع بنو إسرائيل من دخولها فعوقبوا بالتيه. ومات موسى وهارون في التيه ومات الكل سوى يوشع وكالب. وإنما دخل يوشع بأبنائهم فقاتل الجبارين فهزمهم واقتحم أصحابه عليهم يقتلونهم فكانتَ العصابة من بني إسرائيل يجتمعون على عنق الرجل يضربونها لا يقطعونها وكان القتال يوم الجمعة حتى إذا أمسوا وقاربت الشمس الغروب خافوا من دخول السبت فقال يوشع: اللهم احبس الشمس فوقفت بينها وبين الغروب قيد رمح فثبتت مقدار ساعة حتى افتتحها وقتل أعداءه وهدم أريحا ومدائن الملوك وجمع غنائهم وأمرهم يوشع أن يقربوا الغنيمة فقربوها فلم تنزل النار لأكلها فقال يوشع لهم: فبايعوني. أخبرنا هبة اللهّ بن محمد قال: أخبرنا الحسن بن علي التميمي قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: حدثنا عبد اللّه بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر " غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن ولا آخرقد بنى بيوتًا ولم يرفع سقفها ولا آخر قد اشترى غنمًا أو خلفات وهو ينتظر أولادها فغزا فدنى إلى القرية حتى صلى العصر أو قريبًا من ذلك. فقال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علي فحبست عليه حتى فتح الله عليه فجمعوا ما غنموا فأقبلت النار لتأكله فأبت أن تطعمه فقال: فيكم غلول فليبايعني من كل قبيلة رجل فبايعوه فلصقت يد رجل بيده فقال: فيكم الغلول أنتم غللتم. فأخرجو له مثل رأس بقرة من ذهب. قال: فوضعوه بالمال وهو بالصعيد فأقبلت النار فأكلته. فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا ذلك بأن اللهّ عز وجل رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا ". أخرجاه في الصحيحين. ويوشع هذا هو الذي حارب العماليق وعليهم السميدع بن هوير فالتقوا بأيلة فقتل السميدع وأكثر العماليق وقد ذكرنا أن موسى حارب الجبارين واللهّ أعلم. أنبأنا أحمد بن علي المجلى قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال: أخبرنا ابن صفوان قال: حدثنا عبد اللّه بن محمد القرشي قال: حدثني محمد بن الحسين قال: حدثني محمد بن بسطام قال: حدثنا جعفر بن سليمان قال: حدثني إبراهيم بن عمرو الصنعاني قال: أوحى اللّه عز وجل إلى يوشع بن نون: إني مهلك من قومك أربعين ألفًا من خيارهم وستين ألفًا من شرارهم. قال: يا رب فما بال الأخيار قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي وكانوا يؤاكلونهم ويشاربونهم. وزعم هشام بن محمد الكلبي: أن بقية بقيت من الكنعانيين بعد قتل يوشعِ من قتل منهم وأن إفريقيش بن قيس بن صيفي بن سبأ بن كعب مرَ بهم متوجهًا إلى أفريقية فاحتلها وقتل ملوكها وأسكنها البقية التي بقيت من الكنعانيين فهم البرابرة وإنما سموا بربرًا لأن أفريقيش قال لهم: ما أكثر بربرتكم فسموا لذلك بربرًا. فقالوا: ونهض يوشع إلى بعض الملوك فقاتله فغلبه وصلبه على خشبة وأحرق المدينة وقتل من أهلها اثني عشرألفًا. واحتال أهل بلد آخر حتى جعل لهم أمانًا فظهر على باطنهم فدعا الله عليهم أن يكونوا حطابين وسقائين فكانوا كذلك. وهرب خمسة من الملوك فاختفوا في غار فأمر يوشع بسد باب الغارحتى فرغ من أعدائه ثم أخرجهم فقتلهم وصلبهم. وتتبع سائر الملوك واستباح منهم واحدًا وثلاثين ملكًا وقسم الأرض التي غلب عليها. ثم مات يوشع عليه السلام وكان عمره مائة سنة وعشر سنين وقيل: مائة وعشرين سنة. ودفن في جبل إفراييم وكان تدبيره أمر بني إسرائيل بعد أن توفي موسى إلى أن توفي هو سبعًا.
قال الزهري ومحمد بن كعب القرظي: لما حضرت يوشع الوفاة استخلف كالب بن يوفنّا. قال القرظي: ولم يكن لكالب نبوة ولكنه كان رجلًا صالحًا يودونه فوليهم زمانًا يقيم فيهم من طاعة الله ما كان يقيم يوشع حتى قبضه اللّه عز وجل على منهاج يوشع. فاستخلف كالب ابنًا له فأقام العدل في بني إسرائيل أربعين سنة فلما مات اختلفت بنو إسرائيل ودعى كل إلى نفسه وإلى سبطه ثم عملوا بالمعاصي وتشاحنوا على الدنيا وأحبوا الملك فبعث الله تعالى حزقيل. فأما الملوك فإن منوشهر هلك في زمن يوشع فملك أفراسياب وكان يُكثر المقام ببابل وبِمهْرِجان قذَق فأكثر الفساد في مملكة فارس ودفن الأنهار والقنّي وقحط الناس في سنة خمس من ملكه إلى أن خرج عن مملكة أهل فارس وغارت المياه وحالت الأشجار المثمرة إلى أن ظهر عليه ملك يقال له: " زوّ " من أولاد منوشهر وبينهما عدة آباء فطرده عن مملكة أهل فارس وأصلح ما كان أفسد ووضع عن الناس الخراج سبع سنين فعمرت البلاد في مملكته وكثرت المياه فيها واستخرج بالسواد نهرًا فسماه الزاب وأمر فبنيت على حافتيه مدينة وهي التي تسمى المدينة العتيقة وغرس فيها الغروس وكان من أول من اتخذ له ألوان الطبيخ وقال يوم ملك وعقد التاج على رأسه: نحن متقدمون في عمارة ما أخْرَبَهُ الساحر فريساب. وكان جميع ملك زو ثلاث سنين ملك ابنه بعده كيقباد وكان يشبه فرعون في الكبر. وجاء بأولاد جبابرة وسمى المدن بأسمائها وجرت بينه وبين الترك وغيرهم حروب كثيرة وكان نازلًا بالقرب من نهر بلخ ليمنع الترك أن يتطرقوا إلى حدود فارس وكان ملكه مائة سنة وكان القيم بأمر بني إسرائيل يوشع ثم كالب بن يوفنا ثم حزقيل. وهو الذي يقال له ابن العجوز ويقال إن ابن العجوز أشمويل واللهّ أعلم. قال ابن إسحاق: هو حزقيل بن بوذي وإنما قيل له ابن العجوز لأنها سألت اللّه عزّ وجلّ الولد بعد ما كبرت وعقمت فوهبه الله لها فلذلك قيل ابن العجوز وهو الذي دعى للقوم " الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ". قال وهب بن منبه: أصاب ناسًا من بني إسرائيل بلاء وشدة من الزمان فشكوا ما أصابهم وقالوا: يا ليتنا متنا فاسترحنا مما نحن فيه فأوحى اللهّ تعالى إلى حزقيل: إن قومك صاحوا من البلاء وزعموا أنهم ودُوا لو ماتوا فاستراحوا وأيٌ راحة لهم في الموت أيظنون أني لا أقدر أن أبعثهم بعد الموت فانطلق إلى جبانة كذا وكذا فإن فيها أربعة الاف قال وهب: وهم وقال السدي عن أشياخه: كانت قرية يقال لها دَاوَرْدَان وقع بها الطاعون فهرب عامة أهلها فهلك من بقي في القرية وسلم الاخرون فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين فقال الذين سلموا: أصحابنا هؤلاء كانوا أحزم منا لو صنعنا كما صنعوا بقينا! ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن معهم. فوقع في قابل فخرجوا وهم بضعة وستون ألفًا حتى نزلوا ذلك المكان وهو واد أفيح فناداهم ملك من أسفل الوادي وآخر من أعلاه: موتوا فماتوا. فمر بهم نبي يقال له هزقيل فوقف عليهم وجعل يفكر فيهم فأوحى اللّه إليه: أتريد أن أريك كيف أحييهم قال: نعم فقيل له: ناد فنادى: يا أيتها العظام إن اللّه يأمرك أن تجتمعي فجعلت العظام يطير بعضها إلى بعض حتى كانت أجسادًا من عظام ثم أوحى إليه أن ناد: يا أيتها العظام إن اللهّ يأمرك أن تكتسي لحمًا ودمًا ثم قيل له: ناد فنادى يا أيتها الأجساد إن الله يأمرك أن تقومي فقاموا. قال مجاهد: قالوا حين أحيوا: سبحانك ربنا ونحمدك لا إله إلا أنت فرجعوا إلى قومهم أحياء سحنة الموت على وجوههم لا يلبسون ثوبًا إلا عاد دسمًا مثل الكفن. حتى ماتوا لآجالهم التىِ كتبت لهم. إنه كان في زمن حزقيل من الملوك: بخت نصر البابلي وهو الذي أفنى ملوك أهل هذا الزمان لأنه كان يفتح الحصون ويقتل من فيها وكان في هذا الزمان عدة من الأنبياء منهم: أرمياء ودانيال فلما هربت اليهود من بخت نصر إلى مصر أخذوا معهم أرمياء ودانيال فلما أهبطوه أرض مصر قتلوه ومضى قوم منهم إلى أرض بابل فوثبوا بحزقيل فقتلوه وقبروه هناك. ولما قبض حزقيل ولم يذكر مدة بقائه في بني إسرائيل كثرت فيهم الأحداث فبعث اللّه عز وجل إليهم إلياس وبعض العلماء يجعل حزقيل بعد إلياس فالاختلاف في تقديم الأنبياء وتأخيرهم ذكر إلياس عليه السلام قال ابن إسحاق: لما قبض الله عز وجل حزقيل عظمت الأحداث في بني إسرائيل فنسوا ما كان اللّه عهد إليهم حتى نصبوا الأوثان وعبدوها من دون اللهّ بعث إليهم إلياس بن ياسين بن فِنْحاص بن العيزار بن هارون بن عمران. وقال وهب: إلياس بن العازر بن العيزار بن هارون. وقال الطبري: إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون. وقال أحمد بن جعفر بن المنادي: إلياس بن يشين بن العازر بن هارون. نقلته من خطه وضبطه. قال: وهو إلياس وهو إلياسين وهو إدراسين وهذا في قراءة ابن مسعود. وإنما كانت الأنبياء تبعث من بني إسرائيل بعد موسى لتجديد ما نسوا من التوراة وقد بعث الله بين موسى وعيسى ألف نبي من بني إسراثيل سوى من أرسل من غيرهم ولم يكن بينهم فترة. وكان بنو إسرائيل قد اتخذوا صنمًا يسمونه بعلًا. قال نعيم بن أبي: مذ كان رجل من الملوك يغزو فأطال الغيبة مرة عن امرأته فاشتاقت إليه فصاغت رجلًا من ذهب وفضة وألبسته ثياب زوجها وعممته وقلدته السيف وأقعدته على سرير زوجها وحجبته وأقامت عليه الحرس ثم جمعت أهل أرضها وكانوا يعبدون الأوثان فقالت: إن هذه الأوثان التي في أيديكم باطل فاطرحوها وإنما إلهكم البعل فإذا كشفت لكم عنه فاسجدوا له فكشفت لهم عنه فسجدوا وعبدوه وكتبت إلى زوجها تخبره بما صنعت. فكتب إليها: قد أصبت ثم قدم فعبد وسجد له فبعث الله إليهم إلياس يدعوهم إلى الله سبحانه وجعلوا لا يسمعون منه. قال ابن إسحاق: فأوحى الله إليه: قد جعلنا أمر أرزاقهم بيدك فدعا عليهم أن يمسك عنهم القطرفحبس عنهم ثلاث سنين حتى هلكت المواشي والهوام والشجر. وكان قد استخفى خوفًا على نفسه من أجل دعائه عليهم وكان حيث ما كان يوضعِ له رزقه فمنع الرزق ثلاثًا فبكى فنودي: أتبكي لجوع ثلاثة أيام وقومك يموتون جوعًا فارجع إليهم. وكانوا إذا وجدوا ريح الخبز في دار قالوا: لقد دخل إلياس هذا المكان فيلقى أهل ذلك المنزل منهم شرأ. فأوى ليلة إلى امرأة من بني إسرائيل لها ابن يقال له: إليسع بن أخطوب به ضُرٌّ فآوته وأخفت أمره فدعا لإبنها فعوفي من الضُرِّ وإتبع إلياس فآمن به وصدقه ولازمه فأوحى الله إلى إلياس: إنك قد أهلكت كثيرًا من الخلق لم يعص من الدواب والبهائم والطير فقال: يا رب دعني أكن أنا الذي أدعو لهم وآتيهم بالفرج لعلهم ينزعون عما هم عليه قيل له: نعم. فجاء إلى بني إسرائيل فقال: إنكم قد هلكتم جهدًا وهلكت البهائم والطير والشجر بخطاياكم وإنكم على باطل فإن كنتم تحبون أن تعلموا ذلك وتعلموا أن اللّه عليكم ساخط وإن الذي أدعوكم إليه الحق. فاخرجوا بأصنامكم هذه التي تعبدون فإن استجابت لكم فذلك كما تقولون وإن لم تفعل علمتم أنكم على باطل فنزعتم ودعوت الله ففرج عنكم ما أنتم فيه من البلاء قالوا: أنصفت. فخرجوا بأوثانهم فدعوها فلم تستجب لهم فعرفوا ما هم فيه من الضلالة ثم قالوا: ادع لنا فدعا لهم بالفرج مما هم فيه وأن يسقوا. فخرجت سحابة وهم ينظرون ثم أرسل اللهّ المطر فأغاثهم ففرج عنهم ما كانوا فيه من البلاء فلم يرجعوا وأقاموا على أخبث ما كانوا عليه. فلما رأى ذلك إلياس من كفرهم دعا ربه أن يقبضه إليه فيريحه منهم فقيل له: انظر يوم كذا فاخرج فيه إلى بلد كذا فما جاءك من شيء فاركبه ولا تهبه. فخرج وخرج معه إليسع حتى إذا كان بالبلد الذي ذكر له في المكان الذي أمر به أقبل فرس من نار حتى وقف بين يديه فوثب عليه فانطلق فكساه الله الريش وألبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وطار في الملائكة فكان إنسيًّا مَلكئًا سحابيًّا أرضيًا وسميت الأرض التي كانوا فيها بعلبك ذكر من كان بعد إلياس قد اختلف العلماء فيمن كان بعد إلياس. فقال الحسن ووهب: نبي بعد إلياس اليسع وقد عوَّلنا على ذلك. وقد حكى أبو الحسين بن المنادي: أن قومًا قالوا: بل كان بعد إلياس يونس. قال: وقالوا: ان يونس بعد سليمان وأيوب بعد سليمان أيضًا. وذكر ابن أبي خيثمة أن أيوب كان بعد سليمان وان يونس بعد أيوب. ونحن نتخير من هذا الاختلاف في الترتيب أقربه إلى الصواب. والله الموفق. وهذا اليسع هواليسع بن عدي بن شويلخ بن افرائيم بن يوسف بن يعقوب. وقال وهب بن منبه: هو اليسع بن خطوب ويقال: ابن أخطوب. كان يتيمًا مضرورًا فانقطع إلى إلياس وآمن به فدعى الله له فكشف عنه ضرّه وأتاه الحكمة والنبوة فبعث إلى بني إسرائيل فمكث فيهم زمانًا يدعوهم إلى التوحيد وأن يتمسكوا بمنهاج إلياس وشريعته فلم يزل كذلك حتى قبضه الله تعالى. وقد فرق بعض العلماء بين إليسع الذي صحب إلياس وبين ابن أخطوب فقال: هما اِثنان وابن أخطوب لم يصحب إلياس ولم يذكر في القرآن. قال وهب: قام بعد إليسع شاب اسمه شمعون من أفاضل بني إسرائيل ثم استخلف عليهم رجلًا يقال له عيلوق وهو ابن ستين سنة فأقام لهم الحق أربعين سنة فتمت له مائة سنة وكان له ابنان يأخذان الرشوة ويفعلان الفسق فاستبدل الله عز وجل به أشموئيل. أنبأنا ثابت بن بندار بن إبراهيم قال: أخبرنا أبي قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن الحسن بن دوما قال: أخبرنا مخلد بن جعفر قال: حدثنا الحسن بن على القطان قال: حدثنا إسماعيل بن عيسى قال: حدثنا إسحاق بن بشير القرشي قال: أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن قال: إنما غضب الله على عيلوق أنه رأى ابنًا له يتعاطى من أمر النساء ما لا يحل له فقال: مهلًا يا بنى فغضب عليه ربه وقال: لم يكن من غضبك حتى انتهكت محارمي إلا أنك قلت مهلًا يا بني. فسقط عن سريره فانقطع نخاعه وأسقطت إمارته. وقتل ابن له في جيش كان بعثه وكان معهم التابوت وكان عدوهم العمالقة فظهروا عليهم وسبوا التابوت وحولت النبوة والخلافة إلى أشموئيل. وفي رواية عن وهب بن منبه قال: لما قبض الله أليسع عظمت الخطايا في بني إسرائيل وعندهم التابوت يتوارثونه كابرًا عن كابر وفيه السكينة وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون وكانوا لا يلقاهم عدو فيقدمون التابوت ويزحفون به معهم إلا هزم الله ذلك العدو. ثم خلف فيهم ملك يقال له إيلاف فكانوا إذا نزل بهم عدو فخرجوا إليه وأخرجوا التابوت فنزل بهم عدو فأخذ من أيدهم التابوت فأخبر ملكهم إيلاف بأخذ التابوت فمات كمدًا ووطئهم عدوهم حتى أصيب من أبنائهم ونسائهم فمكثوا على اضطراب من أمرهم واختلال من أحوالهم يتمادون في غيهم وضلالهم فسلط عليهم من ينتقم منهم ثم يراجعون التوبة فيكف الله عنهم شر مَنْ يبغيهم إلى أن بعث الله تعالى أشموئيل. فبعث في زمانه طالوت ملكًا فاستخلص التابوت وكان أمرهم من مدة وفاة يوشع تارة إلى ما ذكرنا من الأنبياء وتارة إلى القضاة وتارة إلى الساسة وتارة إلى عدو يقهرهم إلى أن عاد الملك والنبوة إليهم بأشموئيل فكانت تلك المدة أربعمائة وستين سنة. وكان أول من ملكهم في هذه المدة رجلًا من نسل لوط يقال له " كوسان " فقهرهم وأذلهم ثماني سنين ثم أخذه من يده أخ لكالب الأصغر يقال له " عثانيل بن يوفنا " فقام بأمرهم أربعين سنة ثم سلط الله عليهم ملكًا يقال له جعلون ويقال أعلون فملكهم ثماني عشرة سنة. ثم ملك بعده " أيلون من ولد إفرائيم خمسًا وخمسين سنة فقال إنه لما تمت له خمس وثلاثون سنة من ملكه عليهم تمت للعالم أربعة آلاف سنة. ثم ملكهم رجل من سبط بنيامين يقال له " أهوز بن حنو الأشل أ فقام بأمرهم ثمانين سنة ثم سلط عليهم ملك من الكنعانيين يقال له يافين فملكهم عشرين سنة. ثم استنقذتهم امرأة نبي من أنبيائهم يقال لها " ديوار " فدبرأمرهم من قبلها رجل يقال له باراق أربعين سنة ثم سلط عليهم قوم من نسل لوط فملكوهم سبع سنين. ثم أنقذهم منهم رجل من ولد نفثالى بن يعقوب يقال له جدعون بن برانس فدبر أمرِهم أربعين سنة ثم دبر أمرهم من بعد ابنه أبيملك وقيل إنه ابن عمه ثلاثًا وعشرين سنة ثم دبرهم بعده رجل من بني إسرائيل يقال له بابين اثنتين وعشرين سنة. ثم ملكهم بعده بنوعمون وهم قوم من أهل فلسطين ثماني عشرة سنة ثم قام بأمرهم رجل منهم يقال له يفتح ست سنين. ثم دبرهم من بعده ألون عشر سنين ثم دبر أمرهم يحنون وهو رجل من بني إسرائيل ثم دبرهم من بعده ليزون ويسميه بعضهم عكرون ثماني سنين ثم قهرهم أهل فلسطين وملكوهم أربعيمن سنة. ثم وليهم شمشون عشرين سنة ثم بقوا بغير رئيس ولا مدبرعشر سنين. ثم دبر أمرهم بعد ذلك عالي الكاهن وفي أيامه غلب أهل غزة وعسقلان على التابوت ثم مضى من وقت قيامه بأمرهم أربعون سنة بعث شمويل نبيًا فدبرأمرهم عشر سنين. ثم سألوه حين نالهم بالذل والهوان بمعصيتهم ربهم أعداؤهم أن يبعث لهم ملكًا معهم في سبيل الله فبعث لهم طالوت. اختلفوا هل كان نبيًا أم لا على قولين: أحدهما: إنه لم يكن نبيًَا إنما كان عبدأ صالحًا. قال أبو موسى الأشعري ومجاهد في آخرين. ثم اختلف هؤلاء في علة تسميته بذي الكفل على ثلاثة أقوال: أحدها: أن رجلأ كان يصلي كل يوم مائة صلاة فتوفي فكفل هذا بصلاته فسمي ذا الكفل. قاله أبو موسى. والثاني: انه تكفل للنبي بقومه أن يكفيه أمرهم وتعهد أن يقضي بينهم بالعدل ففعل فسمي ذا الكفل. قاله مجاهد. والثالث: ان ملكًا قتل في يوم ثلاثمائة نبي وفرمنه مائة نبي فكفلهم ذو الكفل يطعمهم ويسقيهم حتى أفلتوا. فسمي ذا الكفل قاله ابن السائب. والقول الثاني: إنه كان نبيًا. قال الحسن وعطاء وأهل الكتاب. وقد روى الضحاك عن ابن عباس أن ذا الكفل هو يوشع بن نون. وفي رواية عن ابن عباس قال: كان ذو الكفل من أولاد أيوب فأرسله الله تعالى داعيًا إلى توحيده بالشام. وقال غيره: هو اليسع بن أخطوب وكان قبل داود. قال وهب: كان بعد اليسع. قال عطاء: وإنما سمي بذي الكفل لأن الله تعالى أوحى إلى نبي من الأنبياء: إني أريد أن أقبض روحك فاعرض ملكك على بني إسرائيل فمن تكفل لك بأنه يصلي الليل لا يفتر ويصوم النهارلا يفطر ويقضي بين الناس فلا يغضب فارفع ملكك إليه ففعل ذلك فقام شاب فقال: أنا أتكفل لك بهذا فكفل به فوفى. وحكى بعض علماء السير: انه كان في زمن ذي الكفل جبار من العماليق فدعاه ذو الكفل إلى الإيمان وضمن له الجنة فقال: من كفل لي بذلك قال: أنا وكتب له كتابًا تكفل له بالجنة إن هو آمن. فترك الملك ملكه ولحق بالنساك. فلما مات دفن الكتاب معه فبعث اللّه الكتاب إلى ذي الكفل وأخبره أنه وفى الملك بما ضمن له فآمن به مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا وتكفل لهم بمثل ما تكفل لملكهم فسماه الله تعالى ذا الكفل. وأقام ذو الكفل عمره بالشام حتى مات وهو ابن خمس وسبعين سنة. قال وهب بن منبه: كان ملك من ملوك بني إسرائيل يقال له أسابن أبيا وكان رجلًا صالحًا. وكان ملك من ملوك الهند يقال له زرح وكان جبارًا فاسقًا يدعو الناس إلى عبادته. وكان أسا لما ملك بعث منادياَ فنادى: ألا إن الكفر قد مات وأهله وعاش الإيمان وأهله وانتكست الأصنام وعبادتها وظهرت طاعة الله وأعمالها فليس كافر من بني إسرائيل يطلع رأسه بعد اليوم بكفر في ولايتي إلا قتلته. فإن الطوفان لم يغرق الدنيا وأهلها ولم يخسف القرى بمن فيها لو لم تمطر الحجارة والنار من السماء إلا بترك طاعة الله وإظهار معصيته فمن أجل ذلك يعمل بها ولا تترك طاعة إلا أظهرنا جهدنا حتى تطهر الأرض من نجسها وننقيها من دنسها ونجاهد مَنْ خالَفنا في ذلك بالحرب والنفي من بلادنا. فلما سمع قومه ذلك ضجوا وكرهوا فأتوا أمه فشكوا إليها فعله فأتته فعاتبته على ذلك ووبخته إذ دعا قومه إلى ترك دينهم. فغضب ودعاها إلى الصواب فأبت فقال: إن قولك هذا قد قطع ما بيني وبينك. ثم أمر بإخراجها وتغريبها وقال لصاحب شرطته ان هي ألمت بهذا المكان فاقتلها. فلما رأى قومه ما فعل بأمه ذلوا وأذعنوا له بالطاعة واحتالوا له بكل حيلة فحفظه الله من شرهم فائتمروا أن يهربوا من بلاده فخرجوا متوجهين إلى زَرْح ملك الهند. فلما دخلوا عليه سجدوا وشكو إليه ما جرى عليهم وقالوا: أنت أولى بملكنا فقال: ما كنت مجيبكم إلى مقاتلة قوم لعلكم أطوع لي منكم حتى أبعث إليهم أمناء فإن كان الأمر على ما قلتم نفعكم ذلك عندي وإلا أنزلت بكم العقوبة. فاختار من قومه جواسيس ليعلموا علم القوم ويبحثوا له عن شأن تلك الأرض. فجهزهم وأعطاهم جواهر وكسوة ليبيعوا ذلك هنالك. فساروا كالتجار حتى فصلوا عليهم ودعوا الناس إلى أن يشتروا منهم. وكان أسا الملك قد تقدم إلى نساء بني إسرائيل انه إن رأى امرأة لا زوج لها بهيئة امرأة لها زوج قتلها أو نفاها لأن إبليس لم يدخل على أهل الدين في دينهم بأشد من مكيدة النساء. فكانت المرأة التي لا زوج لها لا تخرج إلا في ثياب رثة فكان النساء يشترين من هذه الأمتعة سرًا بالليل ولم يزل أولئك ينظرون في أحوال المدينة حتى عرفوا جميع أخبارها فكانوا قد ستروا محاسن ما معهم ليجعلوه هدية للملك فقالوا للناس: ما بال الملك لا يشتري منا شيئًا وعندنا من الطرائف ثم نحن نعطيه بغيرثمن. فقالوا لهم: إن له من الخزائن ما لا يقدرعلى مثله إنه استفرغ الخزائن التي سار بها موسى من مصر والحليَ الذي كان بنو إسرائيل أخذوا وما جمع يوشع وسليمان والملوك. قالوا: فبماذا يقاتل عدوًا إِن عرض له فقالوا لهم: إن عدته للقتال قليلة غير أن له صديقًا لو استعان به على أن يزيل الجبال أزالها فإذا كان معه صديقه فليس شيء من الخلق يطيقه. قالوا: ومن صديقه وكم علا جنوده قالوا: لا تحصى جنوده وكل شيء من الخلق له لو أمر البحر لطمّ على البر. فدخل بعض الجواسيس على أسا الملك وقال: إن معنا هدية نريد أن نهديها لك من طرائف أوتشتري منا فنرخصه عليك. قال: ائتوني به فلما أتوه به قال: هل يبقى هذا لأحد أو يبقون له. قالوا: لا قال: فلاحاجة لي به إنما طلبي لما يتبقى. فساروا من بيت المقدس متوجهين إلى زرح ملكهم فأخبروه الخبر فقال: إن صديق أسا لا يطيق أن يأتي بأكثرمن جندي ولا بأكمل من عدتي. ثم جمع العساكر ألف ألف ومائة ألف سوى أهل بلاده ثم أمر بمائة مركب فقرن له البغال كل أربعة أبغل جميعًا عليها سرير وقبة وفي كل قبة منهن جارية ومع كل مركب عشرة من الخدم وخمسة أفيال من فيلته وجعل خاصته الذي يركبون معه مائة ألف. ثم قال: أين صديق أسا هل يستطيع أن يعصمه مني فبلغ الخبر أسا فدعى ربه فقال: اللهم أنت القوي أنظر إلى ضعفنا وقوة عدونا فغرق عدونا في اليم كما غرقت فرعون. ثم نام فرأى في المنام: أني قد سمعت كلامك وأني إن غرقته لم يعلم بنو إسرائيل كيف صنعت بهم ولكن سأظهر لك ولمن اتبعك فيهم قدرة حتى أكفيك مؤونتهم وأهب لك غنيمتهم حتى يعلم أعداؤك أن صديق أسا لا يطاق وليُه ولا يهزم جنده. فأرسل أسا إليهم طليعته فرجعوا يقولون: لم تر عيون بني آدم مثلهم ولا مثل فيلهم فقد انقطع رجاؤنا. وجاء أهل البلد إلى أسا فقالوا: إنا خارجون بأجمعنا إلى هؤلاء القوم لعلهم يرحمونا. فقال: أما معاذ الله أن نلقي بأيدينا في أيدي الكفرة قالوا: فاحتل لنا حيلة واطلب إلى صديقك الذي كنت تعدنا بنصره فإن الصديق لا يسلم صديقه على مثل هذا فدخل أسا المصًلى ووضع تاجه وحل ثيابه ولبس المسوح وافترش الرماد ثم أخذ في الدعاء وجعل يقول: اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط أنت الذي لا يطيق كنْهُ عظمتك بشر أسألك بالمسألة التي سألك بها إبراهيم خليلك فأطفأت بها عنه النار وبالدعاء الذي دعاك به نجيك موسى فأنجيت بني إسرائيل من الظلمة وأعتقتهم من العبودية وبالتضرع الذي تضرع لك عبدك داود فرفعته ونصرته على جالوت أنت محي الموتى فقد حل بنا كرب عظيم لا يطيق كشفه غيرك ولا حول ولا قوة إلا بك. وجعل علماء بني إسرائيل يدعون الله ويقولون: اللهم اجب اليوم عبدك فإنه قد اعتصم بك وحدك ولا تخل بينه وبين عدوك واذكر حبه إياك وفراقه أمه. فألقى اللهّ عليهم النوم وهو في مصلاه ساجدًا ثم أتاه ات من اللّه تعالى فقال له: يا أسا إن الحبيب لا يسلم حبيبه وإن اللّه تعالى يقول: إني قد ألقيت عليك محبتي ووجب لك نصري وأنا الذي أكفيك عدوك فإنه لا يهون من توكل عليَ ولا يضعف من تقوّى بي كنت تذكرني في الرخاء وأسلمك في الشدائد وكنت تدعوني آمنًا وأسلمك خائفًا أقسم لو كايَدْتْك السموات والأرض بمن فيهن لجعلت لك من جميع ذلك مخرجًا فإني معك ولن يخلص فخرج أسا من مصلاه وهو يحمد الله مسفرًا وجهه فأخبرهم بما قيل له فصدقه المؤمنون وكذبه المنافقون. فقدم رسل من زرح فدخلوا إيلياء ومعهم كتب إلى أسا فيها شتم له ولقومه وتكذيب باللّه كتب فيها: أن ادع صديقك فليبارزني بجنوده فلما قرأها دخل مصلاه ونشرها بين يدي الله تعالى ثم قالى: اللهم ليس بي شيء من الأشياء أحب إليَّ من لقائك غير أني أتخوف أن يطفأ هذا النور الذي أظهرته في أيامي هذه. فأوحى الله إليه أنه لا تبديل لكلماتي ولا خلف لموعدي فاخرج من مصلاك ثم مُرْ خيلك أن تجتمع ثم أخرج بهم وبمن اتبعك حتى تقفوا على نَشَز من الأرض. فخرج فأخبرهم الخبر وما قيل له فخرج اثنا عشر رجلًا من رؤوسهم مع كل رجل منهم رهط من قومه وودّعوا أهاليهم وداع من لا يرجع إلى الدنيا ووقفوا على رابية من الأرض فأبصرهم زرح قال: إنما نهضت من بلادي وأنفقت أموالي لمثل هؤلاء ثم دعا بالنفر الذين قدموا عليه يشكون من أسا وقومه فقال: زعمتم أن قومكم كثير عددهم وكذبتموني ثم آمر بهم وبالأمناء الدين بعت ليخبروه حبرهم فقتلوا جميعًا ثم قال: ما أدري ما أصنع بهؤلاء القوم إني لأستقلهم عن المحاربة وأرى إن رادني أن أقاتلهم. فأرسل إلى أسا فقال: أين صديقك الذي كنت تعدنا به أفتضعون أيديكم في يدي فأمضي فيكم حكمي أوتلتمسون قتالي. فأجابه أسا فقال: يا شقي إنك لست تعلم ما تقول أتريد أن تغالب ربك بضعفك أم تريد أن تكاثره بقلتك فاجتهد يا شقي بجهدك حتى تعلم ماذا يحل بك. فأمر زرح الرماة أن يرموهم فردتها الملائكة عليهم فأصابت كل رام نشابته وتراءت الملائكة للخلق فلما رآهم زرح وقع الرعب في قلبه وقال: إن أسا لعظيم كيده ماضٍ سحره وكذلك بنو إسرائيل حيث كانوا لا يغلب سحرهم ساحر وبه ساروا في البحر ثم نادى في قومه: هلموا سيوفكم واحملوا عليهم حملة واحدة. فسلوا سيوفهم فقتلتهم الملائكة فلم يبق غير زرح ونسائه ورقيقه. فلما رأى ذلك ولى مدبرًا وهو يقول: إن أسا ظهر علانية وأهلكني صديقه سرًا إني كنت أنظر إلى أسا ومن معه لا يقاتلون والحرب واقعة في قومي. فلما رأى أسا أن زرحًا قد ولى قال: اللهم إنك إن لم تخل بيني وبينه استنفر علينا قومه ثانية. فأوحى الله إليه: إنك لم تقتل من قتل منهم ولكني قتلتهم فقف مكانك ة فإني لو خليت بينك وبينهم أهلكوكم جميعًا إنما يتقلب زرح في قبضتي وإني قد وهبت لك ولقومك عساكره وما فيها من فضة ومتاع ودابة فهذا أجرك إذا اعتصمت بي. فسارزرح حتى ركب البحر فغرق ومن معه. ملك بعده ابنه بهوشافاظ خمسًا وعشرين سنة. ثم ملكت عثليا ويقال: عزليا بنت عمرم كانت قتلت أولاد ملوك بني إسرائيل فلم يبق فيهم إِلا يواش بن أخزيا فإنها طلبته فتوارى عنها ثم قتلها وكان ملكها سبع سنين. ثم ملك يواش أربعين سنة. ثم ملك ابنه أمصيا تسعًا وعشرين سنة ثم قتله أصحابه. ثم ملك ابنه عوزيا ويقال لعوزيا: غوزيا اثنتين وخمسين سنة. ثم ملك بعده ابنه يوثام ست عشرة سنة. ثم ملك ابنه أحاز ست عشرة سنة. ثم ملك ابنه حزقيا وقيل إنه صاحب شعثا الذي أعلمه شعيا انقضاء عمره فتضرع إلى ربه عز وجل فزاده وأمهله وأمر شعيا بإعلامه بذلك. قال ابن إسحاق: صاحب شعيا الذي هذه قصته إسمه صديقه.
|